ملخص المقال
السنوسيَّة حركة إسلامية إصلاحيَّة تجديديَّة أسَّسها الشيخ محمد بن علي السنوسي، ولها تاريخ من الجهاد ضدَّ المستعمرين، فما أبرز أفكارها وشخصيَّاتها؟
السنوسيَّة دعوة إسلاميَّة مشوبة بالصوفيَّة ظهرت في ليبيا، وعمَّت مراكزها الدينيَّة شمال إفريقيا، والسودان، والصومال، وبعض البلاد الإسلاميَّة.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
• تأسَّست الدعوة السنوسيَّة في ليبيا في القرن (الثالث عشر الهجري= التاسع عشر الميلادي)، بعد شعور مؤسِّسها بضعف المسلمين وتأخُّرهم دينيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، فأنشأ حركته التجديديَّة.
ومن أبرز شخصيَّاتها:
- الشيخ محمد بن علي السنوسي (1202-1276هـ= 1787-1859م)، وهو المؤسِّس للدعوة السنوسيَّة، وتُنسب السنوسيَّة لجدِّه الرابع، وُلِد في مستغانم في الجزائر، ونشأ في بيت علمٍ وتُقىً، وعندما بلغ سنَّ الرُّشد تابع دراسته في جامعة مسجد القرويِّين بالمغرب، ثم أخذ يجول في البلاد العربيَّة يزداد علمًا، فزار تونس وليبيا ومصر والحجاز واليمن، ثم رجع إلى مكَّة وأسَّس فيها أول زاويةٍ لِمَا عُرِف فيما بعد بالحركة السنوسيَّة.
وله نحو أربعين كتابًا ورسالة منها: الدرر السَّنِيَّة في أخبار السلالة الإدريسيَّة، وإيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن.
- الشيخ المهدي محمد بن محمد بن علي السنوسي (1261-1319هـ= 1844-1902م): خلف والده في قيادة الدعوة السنوسيَّة وعمره اثنا عشر عامًا.
- الشيخ أحمد الشريف السنوسي ابن عم المهدي: وُلِد سنة (1290هـ= 1873م)، تلقَّى تعليمه على يد عمِّه شخصيًّا، وعاصر هجمة الاستعمار الأوربِّي على شمال إفريقيا، وهجوم إيطاليا على ليبيا، فاستنجد في عام 1917م بالحكومة العثمانيَّة فلم تنجده خوفًا على مركزها الديني، وقد وقف مع مصطفى كمال أتاتورك ظنًّا منه أنَّه حامي الدين -كما كان يُطلق عليه- ولصدِّ الهجمة الغربيَّة على تركيا، ولمـَّا تبيَّن له مقاصده الحقيقيَّة المعادية للإسلام غادر الشيخ أحمد تركيا إلى دمشق عام 1923م، وعندما شعرت فرنسا بخطره على حكومة الانتداب طلبته فهرب بسيَّارةٍ عبر الصحراء إلى الجزيرة العربيَّة.
- الشيخ عمر المختار (1275-1350هـ= 1856-1931م): وهو البطل المجاهد، أسد القيروان، الذي لم تَحُل السنوات السبعون من عمره بينه وبين الجهاد ضدَّ الإيطاليِّين المستعمرين لليبيا؛ حيث بقي عشر سنوات يُقاتل قوى الاستعمار أكبر منه بعشرات المرَّات، ومجهَّزة بأضخم الأسلحة في ذلك العصر، إلى أن تمكَّن منه الاستعمار الإيطالي الغاشم، ونفَّذ فيه حكم الإعدام، وذلك في يوم الأربعاء السادس عشر من أيلول/ سبتمبر 1931م، ويُرجى أن يكون شهيدًا في سبيل الله إن شاء الله.
الأفكار والمعتقدات:
• السنوسيَّة حركة تجديديَّة إسلاميَّة.
- تأثَّر السنوسيُّ بالإمام أحمد بن حنبل، وابن تيميَّة، وأبي حامد الغزالي، ومحمد بن عبد الوهاب وبحركته السلفيَّة في مجال العقيدة بوجهٍ خاص.
- وتأثَّر السنوسيُّ -أيضًا- بالتصوُّف الخالي من الشركيَّات والخرافات؛ كالتوسُّل بالأموات والصالحين، ووضع منهجًا للارتقاء بالمسلم.
- تتشدَّد السنوسيَّة في أمور العبادة، وتتحلَّى بالزهد في المأكل والملبس، وقد أوجب السنوسيُّون على أنفسهم الامتناع عن شرب الشاي والقهوة والتدخين.
- تدعو السنوسيَّة إلى الاجتهاد ومحاربة التقليد، وعلى الرغم من أنَّ السنوسيَّ مالكيُّ المذهب، فإنَّه يُخالفه إن جاء الحقُّ مع غيره.
- الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والابتعاد عن أسلوب العنف واستعمال القوَّة.
- الاهتمام بالعمل اليدويِّ الجاد من تعاليم السنوسيَّة، وكان السنوسي يقول دائمًا: "إنَّ الأشياء الثمينة توجد في غرس شجرةٍ وفي أوراقها". لذلك ازدهرت الزراعة والتجارة في الواحات الليبيَّة حيث مراكز الدعوة السنوسيَّة.
- "الجهاد الدائم في سبيل الله ضدَّ المستعمرين الصليبيِّين وغيرهم"، هذا هو الشعار الدائم للسنوسيَّة، وقد دفع ثمن ذلك آلافٌ في جهادهم ضدَّ الاستعمار الإيطالي، يُرجى ألَّا يُحرموا أجر الشهادة في سبيل الله.
الجذور الفكرية والعقائدية:
• إنَّ تربية السنوسي الإسلاميَّة وقوَّة إخلاصه وحماسه للإسلام فضلًا عن ذكائه وصلابته، كلُّ ذلك كان من الدوافع الأساسيَّة للحركة السنوسيَّة بشكلٍ عام.
• أمَّا المؤثِّرات والجذور الفكرية والسلوكيَّة التي أثَّرت في دعوته فنجملها فيما يلي:
- تأثُّره الشديد بتعاليم الإمام أحمد بن حنبل وابن تيميَّة ومحمد بن عبد الوهاب وخاصَّة أفكارهم السلفية في مجال العقيدة، وقد اكتسب هذا التأثُّر أثناء زيارته للحجاز لأداء فريضة الحجِّ عام (1254هـ=1837م)، التي كانت نقطة البداية للحركة السنوسيَّة، وأخذ السنوسيُّ من الصوفيَّة أساليب البيعة ودرجات التزكية الروحيَّة، مثل: درجة المنتسب، ثم درجة الإخوان، ثم درجة الخواص.
الانتشار ومواقع النفوذ:
- تُعدُّ واحة (جغبوب) في الصحراء الليبيَّة بين مصر وطرابلس مركز الدعوة السنوسيَّة؛ ففي هذه القرية كان يتعلَّم كلَّ عامٍ مئاتٌ من الدعاة، ثم يُرسَلُون إلى كافَّة أجزاء إفريقيا الشماليَّة، دعاةً للإسلام.
• وقد بلغت زوايا السنوسية الفرعية 121 زاوية، تتلقَّى من زاويتهم الرئيسة التعليمات والأوامر في كلِّ المسائل المتعلِّقة بتدبير وتوسيع أمر الدعوة السنوسيَّة، التي أصبحت تضمُّ المسلمين من جميع الأجناس.
• وانتشرت الدعوة السنوسيَّة في إفريقيا الشماليَّة كلِّها، وقد امتدَّت زواياها من مصر إلى مراكش، ووصلت جنوبًا إلى الصحراء في السودان والصومال وغربًا إلى الجزائر، وكذلك انتشرت الدعوة السنوسيَّة في خارج إفريقيا؛ حيث وصلت إلى أرخبيل الملايو في الشرق الأقصى.
• وقد استطاعت السنوسيَّة أن تنشر الإسلام في القبائل الوثنيَّة الإفريقيَّة، وتُؤسِّس المدارس التعليميَّة والزوايا، ولم يقتصر التعليم على الذكور؛ بل امتدَّ التعليم إلى النساء والأطفال من الجنسين، واستعانت الدعوة بالنساء لنشر الإسلام بين نساء القبائل الوثنيَّة.
ويتَّضح ممَّا سبق:
أنَّ السنوسيَّة حركة دعوة إسلاميَّة إصلاحيَّة تجديديَّة تعتمد في معظم أمورها على الكتاب والسُّنة مع تأثُّرٍ بالتصوُّف، وقد ظهرت في ليبيا في القرن الثالث عشر الهجري، ومنها انتشرت إلى شمال إفريقيا والسودان والصومال وبعض البلاد العربية، وقد تأثَّرت هذه الحركة الدعوة بالإمام أحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيميَّة، وأبي حامد الغزالي، والشيخ محمد بن عبد الوهاب وحركته السلفيَّة في مجال العقيدة، كما تأثَّرت هذه الحركة بالتصوُّف الخالي من الشركيَّات والخرافات كالتوسُّل بالأموات والصالحين، ولها منهجٌ متكاملٌ للارتقاء بالمسلم، ومؤسِّس هذه الحركة هو محمد بن علي السنوسي (1202-276هـ)، الذي تأثَّر بالمذهب المالكي، إلَّا أنَّه يُخالفه إن جاء الحقُّ مع غيره، وتعتمد الحركة في الدعوة إلى الله على أسس الحكمة والموعظة الحسنة، والابتعاد عن العنف، وهي تهتمُّ بالعمل اليدوي الجاد، والجهاد الدائم في سبيل الله ضدَّ المستعمرين والصليبيِّين وغيرهم.
___________________
المصدر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، المؤلف: الندوة العالمية للشباب الإسلامي، إشراف وتخطيط ومراجعة: د. مانع بن حماد الجهني، الناشر: دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الرابعة، 1420هـ.
مراجع للتوسُّع:
ـ الإسلام في القرن العشرين: عباس محمود العقاد.
ـ حركة التجديد الإسلامي في العالم العربي الحديث: جمال الدين عبد الرحيم مصطفى.
ـ محاضرات عن الحركات الإصلاحية: جمال الدين الشيَّال.
ـ محاضرات عن تاريخ العالم الإسلامي المعاصر: د. عبد الفتاح منصور.
ـ محمد بن عبد الوهاب: أحمد عبد الغفور عطار.
ـ قادة فتح المغرب العربي: محمود شيت خطاب.
ـ حاضر العالم الإسلامي: لوثروب ستودارد، تعليق شكيب أرسلان.
ـ الأعلام: الزركلي.
ـ الإسلام في النظرية والتطبيق: المهدية مريم جميل.
التعليقات
إرسال تعليقك